قلة من الأسر فقط هي التي تتوفر على ثقافة عامة في التعامل مع مختلف الأمراض، والمزمنة منها على وجه الخصوص. وقليل من الأفراد يعترفون أنهم مصابون بمرض مزمن، ويحرصون على التعاطي الإيجابي مع هذا المرض من خلال إحاطة المحيطين بهم، علما بطبيعة المرض الذي يعانون منه والاحتياطات الواجب اتخاذها في حالة التعرض لإحدى مضاعفاته، فيما يعمد أكثر المرضى إلى اعتبار مرضهم سرا من أسرارهم الخاصة، بل تصل الحيطة والحذر في بعض الأحيان إلى درجة التعامل معه كسر من أسرار الدولة التي لا ينبغي لأحد من المحيطين بهم خاصة في مجال العمل معرفته، وكأن الإصابة بمرض مزمن ستؤدي إلى الانتقاص من قدراتهم أو إلى تحول نظرة الزملاء لهم إلى نوع من التعاطف، خاصة أن تدخل بعض العوامل النفسية تجعل من الصعب على بعض المرضى تقبل كلمات المواساة من محيطهم فيحاولون التصرف وكأنهم أصحاء وغير مصابين بأي مرض مزمن، وهذا التصرف نجده على وجه العموم لدى المرضى المصابين بالسكري الذي أصبح على رأس قائمة الأمراض التي تصيب الأفراد في وطننا العربي، خاصة في منطقة الخليج التي تصل فيها الإصابة به إلى نسب قياسية، خاصة في ظل نمط العيش الذي أصبح في مجمله يعتمد على المعلبات والأكلات السريعة والتي غالبا ما تكون مشبعة بالدهون، حيث يؤدي هذا النمط إلى الإصابة بكل أنواع السكري.
ومن خلال مشاهدات يومية، بحكم الاحتكاك المستمر مع مرضى السكري وعالمهم، يبدو أن كل مريض يحاول أن يقدم نفسه على أنه الأفضل من بين المرضى، وأنه لا يعاني من أية مضاعفات مرضية، خاصة أن هناك اعتقاداً سائداً لدى الكثيرين أن الاكتفاء بأخذ الدواء (أقراصا أو حقنا) يغني عن باقي الاحتياطات الأخرى، وأن الدواء كفيل بمواجهة أية مضاعفات قد تصيب مريض السكري سواء تعلق الأمر بمضاعفات تصيب العين أو القلب أو الكلى أو باقي أعضاء الجسم، وهذا على ما يبدو راجع إلى غياب ثقافة التعامل مع هذا المرض المزمن الذي قد يغري صاحبه بالسير في طريق الخطأ بحكم أن ظهور المضاعفات قد يأخذ وقتا طويلا يصل في بعض الأحيان إلى 15 عاما وحتى 20 عاما قبل بروز المشاكل المرتبطة به، مما يجعل الكثير من المصابين يؤكدون على سبيل المثال أنهم يتناولون السكريات أو النشويات أو اللحوم بنفس القدر والكمية التي كانوا يتناولونها قبل إصابتهم، بحكم أنهم يداومون على أخذ الأقراص أو الحقن، إلا أنهم لا يعرفون بأنهم يسيرون دون أن يشعروا في طريق الهلاك.
إن التعامل مع مرض السكري يقتضي بالدرجة الأولى القيام بمجموعة من الإجراءات التي تبدأ أولا من ضرورة اقتناع المريض بإصابته واستعداده للتعايش معه، فالسكري مرض مزمن، وإلى الآن لا شفاء منه، ولكن كل الأدوية والوصفات التي يتم تقديمها للمريض ترمي إلى التحكم في نسبة السكري بالدم، والتي تكون في حالة الصيام ما بين 70 إلى 115 ملغم في كل لتر من الدم على أن لا تتجاوز 180 خلال فترات مختلفة من اليوم، علما أنها كلما تجاوزت هذه النسبة شكلت خطرا على المصاب، علما أن أهم مؤشر يمكن من خلاله قياس مدى اتباع المريض لتعليمات الطبيب تكمن في نتائج فحص الدم التراكمي الذي يطلب من المريض القيام به كل ثلاثة أشهر والذي لا يحب أن يتجاوز %7 بالنسبة لمريض السكري.
بعد الاقتناع بالمرض، تأتي الخطوة الثانية وهي حديث المريض عن مرضه، وهي حالة نفسية أعتقد على المريض تجاوزها من خلال جعل مرضه موضوعا للنقاش مع أصدقائه وعائلته وفي محيط عمله، حتى يمكن لكل من له اتصال يومي به معرفة إصابته وطرق التعامل معه في حالة إصابته بأعراض ارتفاع السكري أو هبوطه، خاصة أنه في بعض الأحيان قد يكون مريض السكري عرضة لهبوط مفاجئ في السكري، ولكن المحيط لا يعرف أنه مصاب، مما ينتج عنه تعامل خاطئ مع المريض، والذي قد يؤدي في النهاية إلى دخوله في غيبوبة إن لم تكن الوفاة في بعض الحالات، علما أن الحديث عن المرض وتعريف المحيط به هو بمثابة صمام أمان للمريض نفسه.
الخطوة الثالثة لا تقل أهمية عن ما سبقها، وهي اقتناع المريض بأن يكون طبيب نفسه، حيث إنه إلى جانب الالتزام بتعليمات الطبيب المعالج، لا بد من التحكم في النفس وعدم الانسياق وراءها، خاصة بالنسبة للمريض الذي يحضر مناسبات تعرض فيها كل أنواع المأكولات، لأن التحكم في النفس سيعودها على تجنب المأكولات التي يحظر على مريض السكري تناولها، هذا إلى جانب طبعا العمل على المداومة على ممارسة الرياضة ثلاث مرات على الأقل خلال الأسبوع، وذلك من أجل حياة أسهل وأمتع مع السكري الذي يمكن بكل سهولة أن يتحول إلى صديق غير مزعج، قد ينجح المريض في معايشته لعدة عقود دون أية مضاعفات تذكر.